إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه logo اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه.
shape
التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية الجزء الثاني
81353 مشاهدة print word pdf
line-top
4- إثبات صفة العجب

[ وقوله: عجب ربنا من قنوط عباده وقرب غِيَرِهِ، ينظر إليكم أزلين قنطين، فيظل يضحك يعلم أن فرجكم قريب] .


(الشرح) قوله: (وقوله: عجب ربنا من قنوط عباده وقرب غِيَرِهِ... ):
في هذا الحديث إثبات صفة العجب وهي من الصفات الفعلية التي وردت بها الأدلة، كهذا الحديث، وحديث : عجب ربك من الشاب ليست له صبوة .
واستدل عليه بقوله تعالى: وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ [ الرعد: 5] الآية، وبقوله تعالى: بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ [ الصافات: 12] وفيها قراءتان سبعيتان بفتح التاء وضمها، ولا شك أن قراءة الضم ثابتة مقروء بها، وفيها الدلالة على إثبات صفة العجب لله تعالى، كما يشاء وكما يليق به، وليس كعجب المخلوق.

ولا يجوز إنكار الصفات التي وردت في الأدلة الصحيحة من الكتاب والسنة، اعتمادًا على قواعد أهل الكلام، من أن ذلك يستلزم حلول الحوادث بالله تعالى، أو أنه يلزم منه تجدد شيء لم يكن متصفًا به، ونحو ذلك من التقديرات التي يفترضونها، وتكون عندهم أدلة عقلية مسلمة، يردون لأجلها النصوص الصحيحة، أو يحملونها على محامل بعيدة، ويتأولونها بصفات أخرى لا تناسبها.
فصفة العجب في المخلوق هي حدوث أمر عجيب غريب، يدهش الناظر إليه، ويعجب له، والله تعالى يعجب كما يشاء، منه عجبه من قنوط العباد من رحمته مع قرب غِيَرِهِ، أي تغييره أحوالهم من حسن إلى أحسن، أو من سيئ إلى حسن، فعليهم أن يحسنوا ظنهم بربهم حتى يرحمهم فهو أرحم الراحمين.

line-bottom